فصل: سورة غافر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.سورة غافر:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 3):

{حم (1) تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)}
قوله عز وجل: {حم} قد سبق الكلام في حروف التهجي. قال السدي عن ابن عباس: حم اسم الله الأعظم. وروى عكرمة عنه قال: آلر، وحم، ونون، حروف الرحمن مقطعة. وقال سعيد بن جبير وعطاء الخراساني: الحاء افتتاح أسمائه: حكيم حميد حي حليم حنان، والميم افتتاح أسمائه: مالك مجيد منان. وقال الضحاك والكسائي: معناه قضى ما هو كائن كأنهما أشارا إلى أن معناه: حم، بضم الحاء وتشديد الميم. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر: حم بكسر الحاء، والباقون بفتحها.
{تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ} ساتر الذنب، {وَقَابِلِ التَّوْبِ}.
يعني التوبة، مصدر تاب يتوب توبًا. وقيل: التوب جمع توبة مثل دومة ودوم وحومة وحوم. قال ابن عباس: غافر الذنب لمن قال لا إله إلا الله، وقابل التوب ممن قال لا إله إلا الله {شَدِيدُ الْعِقَابِ} لمن لا يقول لا إله إلا الله، {ذِي الطَّوْلِ} ذي الغنى عمن لا يقول لا إله إلا الله. قال مجاهد: {ذي الطول}: ذي السعة والغنى. وقال الحسن: ذو الفضل. وقال قتادة: ذو النعم. وقيل: ذو القدرة. وأصل الطول الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه. {لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.
{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ}.
{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ} في دفع آيات الله بالتكذيب والإنكار، {إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا} قال أبو العالية: آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن: {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا} و{إن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} [البقرة- 176].
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا عبد الله بن أحمد، حدثنا محمد بن خالد، أخبرنا داود بن سليمان، أخبرنا عبد الله بن حميد، حدثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة عن ليث عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن جدالا في القرآن كفر».
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قومًا يتمارون في القرآن، فقال: «إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله عز وجل بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضًا، فلا تكذبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه فقولوه، وما جهلتم منه فكلوه إلى عالمه».
قوله تعالى: {فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} تصرفهم في البلاد للتجارات وسلامتهم فيها مع كفرهم، فإن عاقبة أمرهم العذاب، نظيره قوله عز وجل: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد} [آل عمران- 196].

.تفسير الآيات (5- 6):

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)}
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ} وهم الكفار الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب من بعد قوم نوح، {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} قال ابن عباس: ليقتلوه ويهلكوه. وقيل: ليأسروه. والعرب تسمي الأسير أخيذًا، {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا} ليبطلوا، {بِهِ الْحَقَّ} الذي جاء به الرسل ومجادلتهم مثل قولهم: {إن أنتم إلا بشر مثلنا} [إبراهيم- 10]، و{لولا أنزل علينا الملائكة} [الفرقان- 21] ونحو ذلك، {فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}.
{وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} يعني: كما حقت كلمة العذاب على الأمم المكذبة حقت، {عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} من قومك، {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} قال الأخفش: لأنهم أو بأنهم أصحاب النار.
{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)}.
قوله عز وجل: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} حملة العرش والطائفون به وهم الكروبيون، وهم سادة الملائكة. قال ابن عباس: حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمسمائة عام، ويروى أن أقدامهم في تخوم الأرضين، والأرضون والسموات إلى حجزهم، وهم يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح.
وقال ميسرة بن عروبة: أرجلهم في الأرض السفلى، ورؤوسهم خرقت العرش، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم، وهم أشد خوفًا من أهل السماء السابعة، وأهل السماء السابعة أشد خوفًا من أهل السماء التي تليها، والتي تليها أشد خوفًا من التي تليها. وقال مجاهد: بين الملائكة والعرش سبعون حجابًا من نور.
وروى محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنيه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام».
وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال: إن ما بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع ثلاثين ألف عام، والعرش يكسى كل يوم سبعين ألف لون من النور، لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق الله، والأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة.
وقال مجاهد: بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب من نور، وحجاب من ظلمة وحجاب نور وحجاب ظلمة.
وقال وهب بن منبه: إن حول العرش سبعين ألف صف من الملائكة، صف خلف صف يطوفون بالعرش، يقبل هؤلاء ويدبر هؤلاء، فإذا استقبل بعضهم بعضًا هلل هؤلاء وكبر هؤلاء، ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام، أيديهم إلى أعناقهم قد وضعوها على عواتقهم، فإذا سمعوا تكبير أولئك وتهليلهم رفعوا أصواتهم، فقالوا: سبحانك وبحمدك ما أعظمك وأجلك أنت الله لا إله غيرك، أنت الأكبر، الخلق كلهم لك راجعون. ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة قد وضعوا اليمنى على اليسرى ليس منهم أحد إلا وهو يسبح بتحميد لا يسبحه الآخر، ما بين جناحي أحدهم مسيرة ثلاثمائة عام، وما بين شحمة أذنه إلى عاتقه أربعمائة عام، واحتجب الله من الملائكة الذين حول العرش بسبعين حجابًا من نار، وسبعين حجابًا من ظلمة، وسبعين حجابًا من نور، وسبعين حجابًا من در أبيض، وسبعين حجابًا من ياقوت أحمر، وسبعين حجابًا من ياقوت أصفر وسبعين حجابًا من زبرجد أخضر، وسبعين حجابًا من ثلج، وسبعين حجابًا من ماء، وسبعين حجابًا من برد، وما لا يعلمه إلا الله تعالى. قال: ولكل واحد من حملة العرش ومن حوله أربعة وجوه، وجه ثور ووجه أسد ووجه نسر ووجه إنسان، ولكل واحد منهم أربعة أجنحة، أما جناحان فعلى وجهه مخافة أن ينظر إلى العرش فيصعق، وأما جناحان فيهفو بهما، ليس لهم كلام إلا التسبيح والتحميد والتكبير والتمجيد.
قوله عز وجل: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} يصدقون بأنه واحد لا شريك له.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، حدثنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا عمر بن عبد الله الرقاشي، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا هارون بن رباب، حدثنا شهر بن حوشب قال: حملة العرش ثمانية، فأربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، قال: وكأنهم ينظرون ذنوب بني آدم.
قوله عز وجل: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا} يعني يقولون ربنا، {وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} قيل: نصب على التفسير، وقيل: على النقل، أي: وسعت رحمتك وعلمك كل شيء، {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} دينك {وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} قال مطرف: أنصح عباد الله للمؤمنين هم الملائكة، وأغش الخلق للمؤمنين هم الشياطين.

.تفسير الآية رقم (8):

{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)}
{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} قال سعيد بن جبير: يدخل المؤمن الجنة فيقول: أين أبي؟ أين أمي، أين ولدي أين زوجي؟ فيقال: إنهم لم يعملوا مثل عملك، فيقول: إني كنت أعمل لي ولهم، فيقال: أدخلوهم الجنة.

.تفسير الآيات (9- 11):

{وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)}
{وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} العقوبات، {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ} أي: ومن تقه السيئات يعني العقوبات، وقيل: جزاء السيئات، {يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ} يوم القيامة وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم حين عرضت عليهم سيئاتهم، وعاينوا العذاب، فيقال لهم: {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} يعني لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم اليوم أنفسكم عند حلول العذاب بكم.
{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} قال ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- وقتادة والضحاك: كانوا أمواتًا في أصلاب آبائهم فأحياهم الله في الدنيا، ثم أماتهم الموتة التي لابد منها، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة، فهما موتتان وحياتان، وهذا كقوله تعالى: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم} [البقرة- 28]، وقال السدي: أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم للسؤال، ثم أميتوا في قبورهم ثم أحيوا في الآخرة. {فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} أي: من خروج من النار إلى الدنيا فنصلح أعمالنا ونعمل بطاعتك، نظيره: {هل إلى مرد من سبيل} [الشورى- 44].

.تفسير الآيات (12- 16):

{ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنزلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)}
قال الله تعالى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} وفيه متروك استغني عنه لدلالة الظاهر عليه، مجازه: فأجيبوا أن لا سبيل إلى ذلك، وهذا العذاب والخلود في النار بأنكم إذا دعي الله وحده كفرتم، إذا قيل لا إله إلا الله كفرتم وقلتم: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا} [ص- 5] {وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ} غيره، {تُؤْمِنُوا} تصدقوا ذلك الشرك، {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} الذي لا أعلى منه ولا أكبر.
{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنزلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} يعني: المطر الذي هو سبب الأرزاق، {وَمَا يَتَذَكَّرُ} وما يتعظ بهذه الآيات، {إِلا مَنْ يُنِيبُ} يرجع إلى الله تعالى في جميع أموره.
{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الطاعة والعبادة. {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.
{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} رافع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة، {ذُو الْعَرْشِ} خالقه ومالكه، {يُلْقِي الرُّوحَ} ينزل الوحي، سماه روحًا لأنه تحيا به القلوب كما تحيا الأبدان بالأرواح، {مِنْ أَمْرِهِ} قال ابن عباس: من قضائه. وقيل: من قوله. وقال مقاتل: بأمره. {عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ} أي: لينذر النبي بالوحي، {يَوْمَ التَّلاقِ} وقرأ يعقوب بالتاء أي: لتنذر أنت يا محمد يوم التلاق، يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض. قال قتادة ومقاتل: يلتقي فيه الخلق والخالق. قال ابن زيد: يتلاقى العباد. وقال ميمون بن مهران: يلتقي الظالم والمظلوم والخصوم. وقيل: يلتقي العابدون والمعبودون. وقيل: يلتقي فيه المرء مع عمله.
{يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} خارجون من قبورهم ظاهرون لا يسترهم شيء، {لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ} من أعمالهم وأحوالهم، {شَيْءٌ} يقول الله تعالى في ذلك اليوم بعد فناء الخلق: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْم}.
فلا أحد يجيبه، فيجيب نفسه فيقول: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} الذي قهر الخلق بالموت.

.تفسير الآيات (17- 21):

{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21)}
{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} يجزى المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ} يعني: يوم القيامة، سميت بذلك لأنها قريبة إذ كل ما هو آت قريب، نظيره قوله عز وجل: {أزفت الآزفة} [النجم- 57] أي: قربت القيامة {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} وذلك أنها تزول عن أماكنها من الخوف حتى تصير إلى الحناجر، فلا هي تعود إلى أماكنها، ولا هي تخرج من أفواههم فيموتوا ويستريحوا، {كَاظِمِين} مكروبين ممتلئين خوفًا وحزنًا، والكظم تردد الغيظ والخوف والحزن في القلب حتى يضيق به. {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ} قريب ينفعهم، {وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} فيشفع فيهم.
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ} أي: خيانتها وهي مسارقة النظر إلى ما لا يحل. قال مجاهد: وهو نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه. {وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}.
{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} يعني الأوثان {لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} لأنها لا تعلم شيئًا ولا تقدر على شيء، قرأ نافع وابن عامر: {تدعون} بالتاء، وقرأ الآخرون بالياء. {إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} قرأ ابن عامر: {منكم} بالكاف، وكذلك هو في مصاحفهم، {وَآثَارًا فِي الأرْضِ} فلم ينفعهم ذلك {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} يدفع عنهم العذاب.